قبل أن نتحدث عن تصميم الهوية التجارية وعلاقتها بعلم النفس، دعونا نعترف أن رؤيتنا للعالم أصبح جزء منها إلى حد كبير مرتبط بالرسائل التي تنقلها لنا العلامة التجارية، الأمر لا يتعلق بالاستهلاك، أو بالبيع والشراء.
بل بنمط حياتنا بالكامل، أصبحنا نحاول أن نلاحق الشكل الذي تفرضه علينا العلامة التجارية. لا تقنعونا أن العالم ووعي الناس قبل 20 عامًا كان هو ذاته، في ظل الهواتف الذكية ووسائل التجميل، القضايا المُثارة والأفكار التي تبثها إلينا العلامات التجارية الكبرى.
المسألة لها علاقة بالتأثير في وعينا وفي لا وعينا كذلك، إننا أسرى العلامات التجارية، وهذا ليس عيبًا فمن المفترض أن يكون للعلامة التجارية عملاء يحبونها ويخلصون لها، ويمنحوها ثقتهم، ولكن هل ستكون هذه العلامة التجارية جديرة بالثقة؟ أم ستكون متلاعبة بمشاعر وعواطف الناس، ومزيفة للحقائق؟
حسنًا يبدو من هذه المقدمة أن هناك علاقة فعلية بين تصميم الهوية التجارية وعلم النفس. لأننا نتحدث عن المشاعر والعواطف أكثر مما نتحدث عن الأفكار والجدال، فهيا بنا نبحر أكثر في هذا الموضوع.
إنشاء علامة تجارية بمثابة إجراء، وهذا الإجراء هو سلسلة من الإجراءات الأخرى، إنه تأثير متسلسل ومتتابع تجعل عملية التسويق لهذه العلامة التجارية في حالة نشاط مستمرة، إنها خطة محكمة لتوصيل قيم علامتك التجارية وثقافة شركتك إلى عملائك. ومن أهم الأهداف التي تحب أن تصل إليها أي علامة تجارية في طريق إنشاء هويتها التجارية، هي أن تصبح بمثابة صديق مخلص للعميل.
إن كيفية إقناع العملاء بأن هذه العلامة التجارية أو الهوية التجارية والتي ليس لها أي وجود مادي، بعكس مقر الشركة أو مقر البيع أو المبنى الإداري. أن هذا الشيء الوهمي المكون من ألوان ورموز ونصوص. هو مثل الإنسان، وهذا شيء ليس به الكثير من المنطق بل يستلزم استهداف العواطف.
إن التأثير بشكل مباشر في العواطف لا يأتي إلا من فهم نفسية جمهورك المستهدف. وفهم ميولهم وتوجهاتهم ومتوسط أعمارهم ومتوسط طبقاتهم الاجتماعية وكيف تؤثر عواملهم المحيطة على واقعهم كأفراد. تأتي العلامة التجارية لتسد فجوة.
لا يهم أن تكون فجوة مادية، بل يمكن أن تسد فجوة نفسية في أعماق عملائها. وهذا ما تفعله العلامات التجارية الكبيرة.. فكر في ذلك جيدًا، وستجد أن الأمر في معظمه يعني تنمية احتياجات نفسية وتأطيرها ومن ثم استهدافها لربط العملاء بالعلامة التجارية.
لا نتحدث هنا عن إقناعك بالعلاقة بين علم النفس وتصميم الهوية التجارية من عدمه، ولا نفتخر بقدرتنا على تصميمه، ولا نخجل منه أيضًا.إن المسألة هنا ليست حيل تسويقية جذابة، ولكنه علم ووعي وإدراك، والقدرة على تسخير هذا العلم وهذا الوعي للتنمية والاستثمار، ولا مشكلة في دعم الميل نحو الرفاهيات في الإنسان، طالما كان ذلك بشكل حميد وغير مفرط فيه، وترتكز علاقة الهوية التجارية وعلم النفس مع الإنسان في 4 عوامل ألا وهي: علم نفس الألوان، تمييز الأنماط، الشعور بالانتماء ودفء القطيع، الشخصيات الخمس للعلامة التجارية.سنتحدث بالتفصيل عن كل منها خلال السطور التالية.
الألوان موجودة حولنا في كل شيء، نستطيع أن نميز ملايين الألوان، المئات من درجات الألوان إن لم يكن الآلاف، ونستطيع أن نحب مزيجًا معينا بين الألوان وأن نكره مزيجًا للأسف لن يكون مريحًا للعين، لذلك جاءت الألوان كواحدة من أهم عوامل التأثير في نفسيات الناس من خلال مزجها أو عرضها منفردة.
إن الأمر يراه الناس فطريًا، فإن كل البشر يولدون لديهم نفس المشاعر تجاه لون معين، أو يثير في داخلهم لون معين مشاعر واحدة، لكن ما يراه مجموعة أخرى أن المسألة تأثرًا ثقافيًا، بدليل اختلاف دلالات الألوان من مجتمع لآخر.
ومهما كان السبب فإنه لا ينكر أحد أن الألوان تؤثر في نفسيتنا، فالأحمر غضب ودماء وحرارة، أما الأزرق سماء وبحر وصفاء واسترخاء، الأخضر نباتات وطبيعة وراحة، وهكذا.
ومن هنا استخدمت العلامات التجارية حسب جمهورها المستهدف، وحسب قيمها. وحسب أسعارها وحسب طبيعة نشاطها لونا معينًا دون الآخر. لذلك في التصميم لا يوجد صواب وخطأ، يوجد السؤال: هل مناسب أم غير مناسب؟
لا نتحدث هنا في تصميم الهوية التجارية وعلاقتها بعلم النفس عن الأنماط البصرية، هذه جزئية فقط. لكن النقطة الشمولية في أن البشر أنفسهم قادرون على تمييز الأنماط بسهولة. والنمط الأكبر هو نمط التجربة.
وقد ثار تساؤل منذ فترة عن السبب الذي يجعل مطعم وجبات سريعة يستمر مثل هذه الاستمرارية رغم أن مطاعم أخرى في نفس الفئة تقدم الطعام أفضل لكنها لا تلقى نفس الشعبية. وجاء النمط أو الثبات كإجابة نموذجية مقبولة.
إذ أنك ستذهب هناك وتتوقع أن تأتيك الشطيرة ذات الجودة المتوسطة نفسها. نفس البطاطس تقريبًا بنفس الطعم، ونفس الخبز دون زيادة أو نقصان. هذه القدرة الرهيبة في الحفاظ على ثبات التجربة جعلك تذهب إلى هناك دون أن تخاف الإحباط. تجربة المرة الماضية هي نفسها سيتم إعادتها مرة أخرى. من هنا تأتي الثقة وبناء الإخلاص تجاه العلامة التجارية.
عكس المطاعم الأخرى مثلاً فإنها تمنح تجربة من ممتازة إلى متوسطة. إن كانت المرة الأولى قدمتها ممتازة فلن تكون متأكدا من أن الامتياز سيستمر في المرات التالية. والإحباط يدق على بابك ويجعلك تلجأ إلى المطعم المتوسط دائمًا، هل رأيت أن المسألة تتعلق بالنفسية فعلا؟
هل رأيت كلامنا في المقدمة؟ والذي وضحنا بين ثناياه أن الأمر لا يتعلق ببيع وشراء فقط، ولكن بنمط حياة كامل. بثقافة للعلامة التجارية تفرضها على المجتمع؟ المسألة تأتي كمجموعة من الناس قرروا شراء منتجات هذه العلامة التجارية أو الاعتماد على خدماتها. ما جعلهم مميزين عن غيرهم.
خاصة وأن التعامل مع هذه العلامة التجارية وشراء منتجاتها أو التمتع بخدماتها خلق عندهم سلوكيات متشابه جعلتهم أقرب لبعضهم.
إذن ما تبيعه هذه العلامات التجارية ليست الملابس الرياضية ولا خدمات السيارات تحت الطلب. ولكن تبيع شعور الانتماء إلى فئة قد تعتبروا أنفسكم غرباء لكن هذا ليس صحيحًا.
فالعلامة التجارية استطاعت جمعكم وجعلكم فئة واحدة قادرة على الشعور بأعضائها وتفهم سلوكياته، إن الانتماء حاجة فطرية لدى الإنسان، وإشباعها كان من أذكى محاولات التسويق.
توجد نظرية تسويقية تفترض أن هناك 5 شخصيات للعلامات التجارية. تحاول أن يبرزها تصميم الهوية التجارية وفي الغالب لن تخرج الشخصيات عن هذه الأمثلة الخمس. وجاءت الشخصيات الخمس كالتالي:
لا تتردد في التواصل مع اوكودا للحديث أكثر والنقاش حول أهمية علم النفس عند تصميم الهوية التجارية وكيف تؤثر على عملائك. وتجعلهم أكثر ارتباطًا بعلامتك التجارية.